في عام 2020، كان مؤسس علي بابا، جاك ما، أغنى شخص في الصين وأحد أشهر الأشخاص في العالم ولقد اختفى جاك ما عن الأنظار في السنوات الأخيرة، وخسر أكثر من نصف ثروته السابقة في غضون ثلاث سنوات, وقد ألقى المحللون باللوم على ما حدث لجاك ما في خطبة انتقد فيها النظام القانوني الصيني لقتل الإبداع.
في أكتوبر 2020، كان من المقرر أن تجمع مجموعة ANT الصينية حوالي 34.5 مليار دولار في طرح عام أولي بقيمة 313 مليار دولار. لم يكن هذا أكبر اكتتاب عام في الصين فحسب، بل كان أيضًا أكبر اكتتاب عام في التاريخ.
لكن في اليوم السابق للاكتتاب العام، تبددت آمال مؤسس جاك ما بسبب الحظر الصيني.
وفق تقرير أخير من Fortune، فقد انخفضت قيمة ثروة “ما” إلى ما دون 30 مليار دولار مع نهاية شهر يونيو الماضي.
أي أن “ما” قد فقد أكثر من نصف ثروته في غضون 3 سنوات، وهذا التغير الهائل يحتاج إلى شرح قصة نجاح جاك ما وكيف تحول من شخصية مجهولة إلى أحد أشهر الشخصيات العالمية ليعود للتخفي عن الأضواء مجدداً.
ولقد كان طوال سنوات، كان جاك ما أثرى شخص في الصين وأحد أشهر أثرياء العالم أيضاً مع شهرة تضاهي تلك الخاصة بإيلون ماسك وبيل جيتس وسواهم.
إذ كان ما قد حقق ثروة طائلة من كونه مؤسس عملاقة التجارة الإلكترونية الصينية، Alibaba، والتي نمت لتصبح شركة قيمتها مئات مليارات الدولارات وإحدى أكبر اللاعبين في سوق تجارة الجملة والتجزئة في الصين وعلى المستوى العالمي.
يأتي جزء كبير من شهرة جاك ما من قصة نجاحه الاستثنائية التي أعطت الأمل للكثيرين حول العالم.
إذ بدأ ما مسيرته بتلقي الرفض المتتالي لمحاولاته الالتحاق بالجامعة، كما تم رفضه من عدد كبير من الوظائف التي تقدم لها في البداية.
وطوال سنوات عديدة عمل كمدرس للغة الإنجليزية وحاول إطلاق عدة شركات منيت جميعها بالفشل، لكنه وجد النجاح عندما بدأ شركة Alibaba عام 1999 والتي كانت متخصصة بتجارة الجملة أولاً.
بالوصول إلى عام 2020، وفي الفترة التالية لوباء كوفيد-19، كانت ثروة جاك ما تقدر بحوالي 61 مليار دولار أمريكي وفق Fortune.
وفي حينها كان جل ثروته متركزاً في شركة Alibaba التي أسسها قبل عقدين، لكن جزءاً كبيراً من الثروة كان قادماً من التقييم الهائل لشركة ANT Group التي بدأت عام 2014 قبل أن تتحول إلى اسمها الحالي، وقد كانت الشركة ناجحة كفاية لتصل إلى 1.3 مليار مستخدم وأكثر من 80 مليون بائع.
وبالنظر إلى نجاحها الهائل من حيث جمع المستخدمين في الصين، كان من المخطط أن يتم إجراء العرض الأولي لأسهم شركة ANT Group في أكتوبر من عام 2020، وكانت المخططات هي بيع أسهم بقيمة 37.5 مليار دولار وتقييم الشركة عند 315 مليار دولار.
وفي حال سارت الأمور كذلك، كان هذا ليكون أكبر عرض أولي للأسهم في التاريخ متفوقاً على عرض أسهم شركة أرامكو السعودية الذي جذب أكثر من 26 مليار دولار عام 2019.
لكن قبل أيام فقط من العرض الأولي لأسهم ANT Group كان “ما” مشاركاً في مؤتمر في الصين كمتحدث، وضمن خطابه وجه انتقادات قاسية للغاية للمشرعين الصينيين وبالأخص في المجال المصرفي والمالي.
حيث تحدث ما عن أن المجال يعاني من عقليات قديمة تكبح جماح الإبداع والابتكار ضمنه، وأن ذلك يحتاج للتغيير لتتمكن هذه المجالات من الازدهار حقاً.
كان “ما” قد اضطر للتنازل عن قيادته لمجلس إدارة شركة Alibaba قبل هذه الأحداث بسبب ضغوط حكومية وفق التقارير، لذا لم تكن التداعيات التالية لخطابه المنتقد صادمة تماماً لمن يتابع الشأن الصيني، لكنها تركت حالة جدل حادة.
بسرعة تدخل المشرعون الصينيون ليحظروا العرض الأولي لأسهم شركة ANT Group أصلاً، وبالتزامن مع ذلك اختفى ما عن الأنظار بشكل كامل.
طوال الفترة بين أكتوبر 2020 ويناير 2021 كان جاك ما متوارياً عن الأنظار دون أي معلومات عنه، كما فوت عدداً من فرص الظهور التي كانت مخططة مسبقاً.
وسرعان ما ظهرت التكهنات بكونه قد تعرض للسجن أو حتى القتل، فيما كانت التبريرات المرجحة لاختفائه هي كونه تحت الإقامة الجبرية ومرغماً على التزام الصمت من قبل السلطات الصينية.
ظهر ما أخيراً بعد 3 أشهر من الاختفاء، لكن عبر مكالمة فيديو تحدث فيها إلى مجموعة من المعلمين الصينيين (بالنظر إلى كونه معلماً سابقاً)، وعاد للاختفاء مجدداً لتعود التقارير عن مشاهدته لتظهر كل بضعة أشهر، لكن حماسه وشخصيته المنفتحة السابقة قد تبخرت بشكل كامل مع غياب أي مقابلات أو تصريحات أو أي معلومات واضحة عن حياته عبر كل الفترة الماضية.
خلال فترة اختفاء “ما”، شنت السلطات الصينية حملة هائلة لتنظيم مجالات التقنية والتقنية المالية في البلاد.
وبينما كانت الشركات الصينية تعمل بحرية كبيرة مع سلوكيات احتكارية واضحة في السابق، بات هناك تنظيم أكبر بكثير للمجال مع حد لقدرات أي شركة بمفردها على الهيمنة على أي سوق.
وتكللت هذه الجهود بتنحية ما بشكل كامل عن إدارة شركة ANT Group في يناير 2023، ليتبع ذلك غرامة كبيرة بقيمة مليار دولار أمريكي تعرضت لها الشركة في مطلع يوليو.
تقدر المصادر الآن أن قيمة شركات مجموعة ANT قد انهارت بشكل كبير، حيث انخفضت بنحو 75 ٪ إلى حوالي 78 مليار دولار.
ونتيجة لذلك، فإن ثروة ما أقل من نصف مليارديرها لعام 2020 والبالغ 30 مليار دولار، وفقًا لمجلة فورتشن الرسمية.
بالطبع، لا يزال السيد جاك ما أحد أغنى الأشخاص في العالم ويتمتع بقدر كبير من النفوذ والسلطة، لكن مسيرته المهنية هي أشهر مثال على المثال المتكرر للشعب الصيني الأثرياء الذي أسس شركات ضخمة، ونما بشكل هائل من حيث القوة والنفوذ، ثم اختفى دون سابق إنذار وترك قيادة الشركة عندما انقلب موقف الحكومة الصينية والقادة التشريعيين ضدهم.
